ذكروا إذ كان في مدينة الاسكندرية هيكل خارج باب الشمس على اسم القديس سرابين، وكان فيه شيخ راهب مسكين بتصدق. وكان ينصرف مرة بعد الثالثة ومرة بعد الخامسة. فأبصره قيم الهيكل مدة طويلة. وانتفع بطريقة وتفكر أن يمضى خلفه ويعرف أين ذهب. وماذا يعمل .. فتبعه ولم يعلم الشيخ فرأه قد اشترى خبزة واحدة وقطعة جبن. ثم خرج إلى اهر المدينة إلى المقابر. ودخل في طافوس جديد، وعند دخوله لاحقه قيم الهيكل وسجد له قائلاً: من أجل الرب قل لى: من أنت ؟ لأجل محبة المسيح .. وما عملك ؟ !! فانتفع وتربح نفسى .
فقال الشيخ : وما هو عملى أنا الضعيف حتى تسأل عنه . وكيف خطر هذا ببالك أن تسألني عن عملى. فقال من أجل الرب لا تخف عنى أعمالك النيرة. فعلم الشيخ أنه لأبد من معرفة خبره فقال له : " أنى أجلس في هيكل سرابيون القديس وأجد فيه حاجة طعامى وأخرج إلى هذا الطافوس وأشتغل باقي نهارى بالبكاء على خطاياي " . فعمل مطانية وسأله قائلاً: " من أجل الرب أجلس في قلايتك مبتهلاً في أمرى وأنا أحظر لك كل يوم طعام يومك " . فقال له الشيخ بشرط أن تتركه خارج الباب وتنصرف، وأنا أعمل مرادك. فوافقه القيم على هذا .
فلما مكث القيم مدة يسيرة يعمل ما أمره الشيخ ، قرع بابه يوماً من الأيام وثبت خارج الباب حتى خرج له الشيخ . نجد له قائلاً : " من أجل الرب اجعلنى راهباً" ، فأدخله الشيخ عنده وخاطبه بمواعظ الرهبانية وعظم اسكيمها .
فلما قبلها رهبنه وصار عند الشيخ راهبا مقيما . واعاد الخروج على قديم عادته إلى ذلك الهيكل يجلس فيه يستجدى صدقة تقوم بحاجتهما ويشترى خبزتين وقطعتين من الجبن فأبصره رجل جندى محب للمسيح وكان يكثر الدخول إلى ذلك الهيكل، وتأمل تردده. وانتفع منه ولحقه ليعرف إلى أبن بمضى فلما عرف حاله سأله أن يقيم في قلايته . مصلياً عليه وعلى منزله وهو يحمل إليه قوته. فقال له الشيخ : " أننى أحتاج إلى خبزتين وقطعتى جبن كل يوم " . ولم يخبره أن قيم الكنيسة عندها .
فبعد أن مكث الجندى مدة من الزمان يحمل إلى الشيخ حاجته، تنيح الشيخ وقبل وفاته قال لتلميذه : " أجلس هنا ولا تذهب إلى موضع البتة وإذا حمل اليك الجندي الخبزتين وقطعني الجبن فقل له : " أنى لا أحتاج سوى خبزة واحدة وقطعة واحدة " ثم أجلس مهتماً بنفسك وأن حفظت وصيتى فأنا سأكون معك كل حين على مألوف عادتى، فلما توفى الشيخ دفنه. وكان إذا صلى يشعر أن الشيخ يصلى معه كما وعده .
وأقام على هذا الحال أياما كثيرة ، ثم هاجمه الشيطان مبغض الحسنات الذي يحسد الناس الذين يريدون الخلاص. قائلاً : الآن ماذا يقول والدك في أمرك هل قد مات أن هو حى ، فلو ذهبت ورأيت والدك وردعت إلى ذاتك كنت تجلس مستريحاً بعد ذلك بلا هم ولا قتال من العدو. فلما خدعه الشيطان بهذه الحيلة الماكرة، ذهب وأبصر والده ورجع ، فلما حان وقت صلاته وتلاوة مزاميره، لم يعد يسمع صوت الشيخ، فترك المزمور طفق يبكى فوق قبر الشيخ قائلاً : أيا أبتاه خليتنى يا معلمى وتركتنى . أين وعدك الصادق يا سيدي الشيخ المبارك المملوء حمة، لا يتمنى منك لأجل الله. فخرج إليه صوت من القبر قائلاً : العلى أتا تركتك، أنت خالفت وصيتى وتركتنى، أتظن أننى أنا كنت المصلى معك ومؤنسك، أنما ربنا يسوع المسيح الكثيرة الرحمة لما كنت قابلا وصيتى أرسل ملاكاً روحانياً يؤنسك ويصلى معك لأني أنا في موضعي كما أمر الرب إلى وقت مراده.
وألما عصيت وصيتى التى كنت من أجل الله أنصرف عنك الملاك، فأجلس وأبك على خطايام والرب برحمته يعينك لأنه صاحب كنوز الرحمة .